انتخابات 2019 ستكون من أفسد الانتخابات

حاوره : المنصف عويساوي
الصحافة اليوم: مع بداية العد التنازلي للاستحقاقات الانتخابية القادمة لسنة 2019 شرعت منذ فترة مختلف الأحزاب السياسية في التكثيف من اجتماعاتها وتحركاتها الميدانية لبحث سبل خوض السباق الانتخابي سواء التشريعي أو الرئاسي والبحث عن تحالفات او تكوين جبهات انتخابية،خاصة بعد إقرار الترفيع في العتبة الانتخابية...
تطورات المشهد السياسي وتراجع ثقة المواطن في السياسيين والتخوفات من تأجيل الانتخابات المقبلة واستعدادات الهيئة العليا للانتخابات لهذا الحدث الانتخابي كانت من بين المحاور الكبرى في حوارنا لهذا الأحد مع رئيس الحزب الاشتراكي محمد الكيلاني.
ماهو تقييمكم للمشهد السياسي وتطوراته في الفترة الأخيرة؟
المشهد السياسي اليوم اقل ما يقال عنه أنه «متعفن» حيث وصلت الأوضاع إلى درجة من التدهور والتشابك فلا تفصلنا عن حالة الانهيار إلا بعض الخطوات إذا تواصل الوضع على ما هو عليه حاليا وقد تنفجر الأوضاع في نوع من الحرب الأهلية والتي لا يمكن وقتها النجاة منها وذلك بسبب تشبث أغلب القائمين على السلطة اليوم وعدد من السياسيين بالكراسي وجريهم وراء السلطة والحكم، فنحن اليوم في طريق الهاوية إذا لم نسرع بمعالجة الأساسيات وتسوية أمر أساسي يتعلق بالمستقبل السياسي لتونس وبالنظام السياسي ويجب في هذا الإطار فتح حوار الوطني واسع يشمل كافة الأحزاب الممثلة في البرلمان وخارجه والأطراف الاجتماعية ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ومختلف مكونات المجتمع المدني.
ويجب على كل الأطراف المشاركة في هذا الحوار استصدار التصورات العامة وميثاق يضبط كافة المسائل سواء في علاقة بالعمل السياسي والانتخابات أو بالمسائل الاجتماعية،
هل يمكن وفق هذا الطرح إنجاح هذا الحوار الوطني في ظل اختلاف الاجندات وتزايد الطموحات الخاصة للسياسيين ؟
اليوم يجب على الجميع تحديد مواقفهم من طبيعة تواجدهم في المشهد السياسي من اجل إنجاح الحوار الوطني إن كنّا حقا نريد نظاما جمهوريا وديمقراطية في تونس المدنية،وعلى حركة النهضة وفق هذا الطرح التخلي عن منظومتها وتصوراتها كحركة اخوانية ومرجعيتها الإيديولوجية الاخوانية، فهي حركة تتأقلم مع الواقع الموجودة فيه وليست مثل حركة الإخوان المسلمين في مصر وهذا مكمن قوتها وساعدها في الخروج من عديد الصعاب التي كانت قاتلة بالنسبة إليها وعرفت كيف تتسرب إلى أجهزة الدولة من خلال تغلغلها في كافة مؤسسات الدولة بهدف اعداد نفسها في المستقبل للمسك بالسلطة نهائيا، وتقاسم السلطة في كل فترات ما بعد الثورة ماهي إلا مرحلة انتقالية لتكسب الوقت من اجل إعادة صياغة الذهنية العامة للمجتمع.
فنحن والشعب التونسي لم ولن ننسى قادة حركة النهضة الذين نادوا بعد الثورة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وهددوا معارضيهم بالسحل وبإهدار دم الأشخاص الذين رفضوا شرعية وجودهم في السلطة، فهؤلاء إن وصلوا إلى الحكم بمفردهم سيحكمون بالحديد والنار وسيمرون بالاغتيالات السياسية وعن طريق حكم الإعدام الاعتباطي، فهم ليسوا بحركة مدنية كما يروجون وإنما هم حركة اخوانية صرفة وهم متمسكون بمرجعياتهم وبتراثهم وبأهدافهم وهو ما أكده رئيس الحركة راشد الغنوشي في عديد تصريحاته، وهدفهم هو إقامة دولة دينية ليس إلا.
سلوك السياسيين والصراعات المتواصلة أنهت بصيص الثقة بين المواطن والسياسي، فهل من حلول عملية وواقعية لإرجاع هذه الثقة خاصة ونحن مقبلون على استحقاقات انتخابية هامة في 2019 ؟
من عفّن المشهد السياسي اليوم هما الحزبان الماسكان بالسلطة حركة النهضة وحركة نداء تونس، نداء تونس جراء الأزمة التي عاشها والانقسامات والخيار الذي تبناه في اتجاه التوافق مع حركة النهضة، وهذه الأخيرة عملت من جانبها على تحقيق أهدافها الخاصة وهما من لديهما أغلبية الأصوات الانتخابية والأغلبية البرلمانية ورتعوا ونسفوا كل القوى السياسية.
فاليوم نحن إزاء أقلية تحكم وتتحكّم وأغلبية من أحزاب الرأي والأحزاب التي تحتج وهي الأغلبية الساحقة للمكونات الحزبية وبين هذا وذاك فرق شاسع كالمسافة الفاصلة بين السماء والأرض، فالناس اليوم يصطفون وراء من يخدم مصالحه والمواطنون صوّتوا للأحزاب الكبرى لأنهم يعتقدون أنهم سيستجيبون لمطالبهم ومصالحهم،فأغلبية الأحزاب السياسية اليوم ممولة من قبل المال الفاسد والعصابات، باستثناء قلة قليلة من الأحزاب الفقيرة فيها متطوعون يديرون شؤونهم من تمويلهم الذاتي.فالمجتمع مازال إلى حد اليوم لا يصغي هذه الأقلية من الأحزاب وهي مرحلة طبيعية جدا لكن الساسة الذين دمّروا ثقة المواطن في السياسة والسياسيين يمثلون الأحزاب الممسكة بالسلطة وهي الأحزاب التي صوت لها المواطن نفسه.
صحيح أن ثقة المواطن اليوم في السياسيين منعدمة وهناك حلّان لا ثالث لهما، الأول يكمن في تغيير الواقع والتأثير فيه وإجبار الحاكمين على تعديل مسارهم من خلال صندوق الاقتراع أو بقوة السلاح ومن يقدر على الحل الثاني من بيده المال وهم من عندهم الأغلبية وهما حركتا النهضة والنداء فهذه المسألة مرتبطة بمن يحكم وإذا لا قدّر الله ستحدث كارثة في المستقبل في اتجاه الحل العسكري سيتم حينها تدمير الشعب والحياة السياسية ونسف الانتقال الديمقراطي، لكن هناك حل آخر ويكمن في صندوق الاقتراع وهذا ينبغي أن يسير طبقا للقانون، وان انغلاق الحزبين الحاكمين حاليا لا يبشر بخير خاصة من خلال العمل على الترفيع في العتبة الانتخابية وهو ما ن شأنه أن ينسف الحياة السياسية برمتها ، فعلى «الزوز كبارات» أن يكّفوا عن كبرهم ويعودوا إلى الأصل والى الشعب والى الموقع الدوني وينفتحوا على الأحزاب غير الممثلة في البرلمان وعلى النخب ومكونات المجتمع المدني إضافة إلى الأطراف الاجتماعية.
ذكرتم أشياء مخيفة في علاقة بالسلطة والسياسيين، فهل يمكن اعتبار هذه المعطيات مؤشرا قويا على محاولة تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة خاصة في إطار الصراع القائم بين القصرين القصبة من جهة وقرطاج من جهة اخرى؟
لا اعتقد انه حتى وان جرت الانتخابات في وقتها أنه يمكن تغيير المشهد السياسي فالشيء الوحيد الذي ستقوم به الانتخابات هو تأجيج الأوضاع من جديد لان لدينا نظام انتخابي فاسد وسيعمل على مزيد تفكيك السلطة (سلطة بثلاثة رؤوس)، وأكاد اجزم أن الانتخابات المقبلة لسنة 2019 ستكون من افسد الانتخابات في بلادنا لان الأموال الفاسدة التي ستدخل البلاد للأحزاب الكبرى أموال هائلة و خيالية،فمن يملك المال سيضاعف من تأبيد الفساد السياسي والفساد الاجتماعي في تونس.
لنبقى في سياق الانتخابات، هل تعتقدون ان الهيئة العليا للانتخابات مستعدة اليوم رغم ما يشاع عن وجود انشقاقات داخلها لتأمين انتخابات نزيهة وشفافة ؟
من المستبعد أن تتمكن الهيئة العليا للانتخابات بهيئتها الحالية وبما يحدث صلبها أو بالعقلية السائدة لدى الأحزاب الحاكمة على تامين انتخابات نزيهة وشفافة من خلال ثبوت تغاضيها عن عدد من التجاوزات في الانتخابات البلدية الفارطة في تقدير منها أنه وان تمت معاقبة المخالفين فان ذلك لن يحدث تغييرات كبرى في العملية الانتخابية، فالتقليل من شأن التجاوزات حتى ولو كانت طفيفة واعتبار أنها لن تحدث تغييرا في العملية الانتخابية برمتها يعد نسفا للديمقراطية وتشجيعا غير مباشر على الفساد وخرق القانون الانتخابي.
رجوعا الى تصريح امين عام حركة نداء تونس سليم الرياحي المتعلق بحديثه عن محاولة انقلاب ما تعليقكم على ذلك؟
وفق المتعارف عليه فان الانقلاب تقوم به عادة الأجهزة ولا يمكن اعتبار ذلك النقاش بين مجموعة من السياسيين حتى ولو كان موجها ضد رئيس الجمهورية نفسه من قبيل الانقلاب وتصريح أمين عام حركة نداء تونس سليم الرياحي يعد تصريحا وكلاما غير موزون ويهدف إلى محاولة إحراج رئيس الحكومة يوسف الشاهد باعتباره خصما سياسيا.
ماهو تموقع الحزب الاشتراكي في المشهد السياسي وهل من برنامج بعينه في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟
في الحقيقة اتّعضنا من فشل التجارب المتكررة للتحالفات ومحاولة الإنقاذ التي قمنا بها مع مجموعة من الأطراف الأخرى قررنا التركيز في المدة القادمة على إعادة ترتيب البيت الداخلي ،ونحن نعمل على تثبيت وجودنا وعلى تطوير عملنا القاعدي مثلما عملنا في الانتخابات البلدية الفارطة واخترنا الترشح في 12 دائرة بلدية وفزنا في اغلبها وقمنا في بعض الدوائر الأخرى بالتحالف مع عدد من المستقلين وفزنا في بعضها ونحن في الانتخابات المقبلة سنفكر في حزبنا لأنه في اعتقادنا أن ميزان القوى السياسي القائم هو في اتجاه كفة تحالف وفاق 2019 المؤلف بين الشاهد وحركة النهضة وان هذا الوفاق بصدد التدعم من قبل عدد من الأحزاب على غرار مشروع تونس وحزب المبادرة لضمان 2019، وبالنسبة إلينا يجب تكوين حلف جمهوري كبير واسع مؤلف من قبل القوى الديمقراطية الليبرالية وأيضا من جهة اليسار ليستطيع منافسة هذا الحلف ، ولكن للأسف هذا لا يمكن أن يحدث الآن على اعتبار المسارات المختلفة لهذه الأحزاب التي تفكر في تموقعها، ونحن سنكون جاهزين للتحالف في حالة تكوين جبهة جمهورية ديمقراطية اجتماعية.
لذلك فان إمكانية إنقاذ الجمهورية من الغول الآتي (وفاق 2019) يمكن أن يأتي عن طريق الاتحاد العام التونسي للشغل كعنصر توازن جديد بعد اعتزامه التقدم بقائمات مستقلة في الانتخابات التشريعية وكذلك تأكيد دعمه لشخصية ديمقراطية اجتماعية في الانتخابات الرئاسية.
وبخصوص الانتخابات التشريعية فان الحزب الاشتراكي سيترشح في كافة الدوائر الانتخابية.
هل للحزب الاشتراكي مرشح للانتخابات الرئاسية؟
لا ليس لدينا مرشح للانتخابات الرئاسية 2019 وسنعمل في الفترة القادمة كما ذكرت آنفا على إعادة ترتيب بيتنا الداخلي وتدعيم هياكلنا والتركيز على العمل القاعدي.
إذا كان من بين المترشحين في سباق الرئاسة لانتخابات 2019 رئيس الجمهورية الحالي الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد فمن ستدعمون؟
لن ندعم بطبيعة الحال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في رئاسية 2019 لعدة اعتبارات وفي مقدمتها انه شخصية ليبرالية ويأتمر بأوامر صندوق النقد الدولي وسنكون من الداعمين لشخصية بعينها وأقول لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي «كفّر عن ذنوب سياسة الوفاق التي انتهجتها مع حركة النهضة ودفعت البلاد إلى الهاوية، وأنا كنت قد ناقشتك في هذا الأمر مرارا وقلت حينها أن دورك ليس في الوفاق مع حركة النهضة بقدر تحصينك للجمهورية وللانتقال الديمقراطي، لكنك لم تفهمن حينها وانشاء الله تفهمني الآن».


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

محمد الكيلاني: الإسلام السياسي أكبر عائق أمام الديمقراطية

الانتخابات الرئاسية والتشريعية تعيد صياغة المشهد السياسي وتسلم السلطة للحركة الإسلامية، الحل في الجبهة الجمهورية المتحدة

هل أن الشباب صاحب مشروع مجتمعي؟