هل للجمهوريين عنوان اسمه "الدفاع عن الجمهورية"؟

أصبحت سعاد عند الرحيم أول امرأة في تاريخ تونس رئيسة بلدية العاصمة شيخة المدينة. حدث ذلك على أيدي حركة النهضة المتجذرة في الفكر الإسلامي السياسي الإخواني ولم يفكر في ذلك حزب جمهوري كان قد فاز في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 بالمركز الأول، ألا وهو "نداء تونس" وكان قد فاز رئيسه بفضل مليون صوت نسائي.
إننا لو أدركنا بعمق بأن المسألة في الجوهر هي مسألة مشروع مجتمعي ومشروع دولة ونظام حكم، وأصحاب المشروع والمؤمنين به، يخططون ويعدون العدة ويقطعون الخطوات الواحدة بعد الأخرى لتحقيق هدفهم المنشود. إنهم لا يتركون لا شاردة ولا واردة لا يقرؤون لها حسابا، ويحرصون كل الحرص على تأسيس رمزيات جديدة وتغيير رمزيات المجتمع في كنف "الثورة" أو "الثورة المضادة" الهادئة. إن إدخال التناصف الأفقي زيادة على التناصف العمودي أجبر كل الأحزاب السياسية على تقديم قائمات في رئاستها امرأة، ممَا بأن تكون إحدى مناضلات اليسار في جبنيانة رئيسة للمجلس البلدي وسمح لسعاد عبدالرحيم أول امرأة في تاريخ تونس رئبسة بلدية العاصمة شيخة المدينة.
إنهم يعملون على إعادة تشكيل المخزون الثقافي الجمعي للمجتمع منطلقين من مواقع معارضة لمشروعهم، إذا لم تكن معادية، فهم ينطلقون من مدنية الدولة ومن القوانين والدستور والمؤسسات المدنية، وهي في تعارض مع مشروعهم العقائدي، والطريق إليه تبدأ بالعمل على تغيير المدني بالعقائدي في السلوك اليومي وافي القوانين بصورة تدريجية وصولا إلى الدستور فالمؤسسات. وهو ما حدث ويحدث في تركيا.
وماذا يفعل جمهوريونا، وبصورة خاصة الحزب الأكبر فيها، إنهم يتحالفون مع أصحاب المشروع المضاد لهم ويمعنون في التآمر على حلفائهم الموضوعيين وبث الشقاق بينهم ودفعهم للتناحر والتنافر، حتى أنهم وجدوا أنفسهم مضطرين أو بحماقة السياسة، بترك "النداء وحده" كي ينهزم أمام النهضة، وفي مكان آخر يعقدون معهم اتفاقا وفي ثالثة يبذلون كل أوتوا من قوة بما في ذلك "التدخل لدى المحكمة الإدارية" لإبطال انتخابات ديمقراطية عزلتهم لأنهم اختاروا معاداة القوى الجمهورية دون استثناء أملا في تأليف أغلبية في المجلس للفوز بالرئاسة. ووصل الأمر في بعض الواقع الأخرى أن حضر الوالي لتوزيع المسؤوليات في بلدية مجلسها يتكون من 12 عضو، تحالف فيه "النداء" والنهضة رئيس قائمة النداء الذي أصبح ريسا للبلدية شغل رئيس شعبة لـ 30 سنة ونائبته ابنة رئيس شعبة آخر.
إن جمهوريون لا يعرفون للجمهورية عنوان، فقد تخلوا عن حماية رمزياتها المدن الكبرى (تونس، بن عروس، صفاقس، جندوبة، بوسالم....) لفائدة حركة النهضة. وسيحصلون بكل تأكيد على مواقع أخرى وسيغيرون رمزيات أخرى. لكن جمهوريونا سيظلون خارج التاريخ، كما هم الآن، طالما أنهم يجهلون هويتهم ووجهتهم، وطالما أنهم لم يضعوا عنوانا للجمهورية وطالما أنهم لم يحددوا هويتهم ولم يتخلوا عن العبث الذي تسمح به أريحية الوجود في السلطة، قديما أو حديثا، وطالما أنهم لم يؤلفوا القوة المؤتمنة على الجمهورية وعلى الانتقال الديمقراطي وطالما أنهم لم يوفروا الظروف الموضوعية والذاتية لنشأة وتطور وتأصيل هويتها الاجتماعية التضامنية.
وللحديث بقية
تونس في 4 جويلية 2018
محمد الكيلاني

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

محمد الكيلاني: الإسلام السياسي أكبر عائق أمام الديمقراطية

الانتخابات الرئاسية والتشريعية تعيد صياغة المشهد السياسي وتسلم السلطة للحركة الإسلامية، الحل في الجبهة الجمهورية المتحدة

13 أوت هذا العام: نمطان من المجتمع وجها لوجه